فضاء حر

احذروا الفاشية

يمنات
حين يفقد الإنسان إنسانيته (من أي تيار كان) ، ويقع في الفاشية ، فلا يُمكنه أن يُنتج ويخدم الشعب، ويُعمر الوطن كما يعتقد هو: بان وجوده في هذا الحزب والحركة او اعتناقه هذا الفكر لأجل البناء، وهو قاسم مُشترك لدى الجميع لندعوه بالوطنية؛ حينها فدافع الكراهية الذي يتملكه يُعميه، ويُصبح آلة لا بشر خادماً لحقده، عدو كل ما هو جميل.
وقوع الإنسان في الفاشية ليس قدراً كما انه ليس نابعاً من الشعور الذي تبتكره النفس الإنسانية في صراعها بين “الآنا العليا” و”الدنيا” كما كان يهذي (فرويد) وأمثاله من فلاسفة المثالية، الذين لا يروا في وعينا وثقافاتنا ومشاعرنا كانعكاس للمادة الموجودة خارج وعينا بفعل تأثيرها على حواسنا، بل يرى في العالم من حولنا مجرد مركبات إحساسات أي موجودة في وعينا فيحدث الصراع في داخل الإنسان ووعيه بين قوى الشر والخير بين فطرة الإله والشيطان الذي جري مجرى الدم! و سبق ((للمادية الديالكتيك)) أن دحضت هذه التُرهات.
في هذا الوضع الاقتصادي المتخلف والتردي في الخدمات العامة وهذه الأزمة السياسية والثقافية من أثار الانتفاضة الشعبية والنكسات والتسويات…الخ فإن الإنسان اليمني بات أقرب إلى الفاشية من أي وقتِ مضى، ويلاحظ ذلك في ردود فعلهم وتعاملهم مع الأحداث؛ ففي أيام الانتفاضة الشبابية لو أن شخص “مؤتمري” وجد نفسه فجاءه داخل احد الساحات وفي يده صوره (صالح) لتم التعامل معه كبلطجي ولربما تم قتله، وبالجانب الأخر كان المؤتمريين وخاصة من بعد جريمة تفجير النهدين يروا في “الثوار ” قتله ومخربين ولديهم استعداد لقتلهم لو تطلب الأمر، وخاصة في الفترة التي حدث فيها اشتباكات مسلحة في صنعاء وتعز، وما رافقها من انفلات امني، وهذه مؤشرات مُقلقة جداً لما وصلت إليه الإنسان اليمني من احتقانات نفسية نتيجة تلك الأحداث.
مرةً أُخرى تنامى الشعور الفاشي كرد فعل على الجريمة الإرهابية في حضرموت، ومع كثرة الدلائل التي تشير إلى تورط أجنحة من “حزب الإصلاح” في هذه العملية؛ فتجد اغلب منشورات وسائل التواصل والحوارات في المقايل ووسائل النقل في معظمها تؤدي تفصح عن مقدار ما كدسه هذه (الحزب) من حقد عند الناس، هذا النزوع نحو الفاشية مخيف جداً وخاصة عندما يُصبح مزاج شعبي فلطالما كانت الفاشية تمارسها الأجهزة الأمنية وقيادات من الأحزاب في ظروف العمل السري، ولكن ان يُصبح مزاج الجماهير فاشياً فهو ما يُهدد ما تبقى من سلم أهلي ويجب أن ننتبه.
إضافةً إلى الوضع الاقتصادي والسياسي وتردي الخدمات العامة التي راكمت هذه التناقضات لدى الجماهير، هناك خطاب إعلامي يؤجج هذا النزوع وخطاب ديني مقيت يدعوا للكراهية ويُحشد ويهيج طائفيا، إن هذه التناقضات الكمية التي تراكمت عند الجماهير بلغت حد الانتقال أي تحولها وتكيفها إلى شكل أخر، وبدل أن تتكيف كثوره شعبية، نخاف أن تنفجر كعنف واحتراب أهلي أو أمراض نفسية وحالات انتحار، وتقع المسؤولية على الدولة بخطابها الإعلامي وعلى الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية أن ترشد خطابها تجاه الأخر، وللأسف فإن عناوين الصُحف الحزبية والخاصة هي من أكثر ما يدفع الناس نحو الفاشية و ما يدمرهم نفسياً حين يتحول العمل الصحفي إلى ارتزاق بدون أي معاير للمهنية، أما الحياد فلا يوجد حياد في أي إعلام ولم يوجد وهذا طبيعي فكل خطاب يحمل مصلحة طبقية.
إن هذا التوجه بالكراهية نحو الإخوان /الإصلاح خطير جداً، وبالمثل شعور الإخوان بالعداء نحو “الحوثيين”، يحتاج من كل واحد منا أن يُعيد التفكير في مواقفه وبنزوع إنساني، أن من كبار قيادات الإخوان والمؤتمر والمُشترك هم لصوص و أعداء للشعب، ولكن هذا لا يعني أن الصراع مع مكوناتهم وجماهيرهم، فصراعنا مع حاملي منظومة فسادهم مع وكلائهم في السوق ومعهم كرموز، وليس مع قواعد أحزابهم، فهذه القواعد في أغلبيتها (باستثناء المرتزقة المجندون) كادحة كسائر الشعب، والفقير في المؤتمر لا يختلف عن الفقير في “الاشتراكي” أو “الإصلاح” او “أنصار الله” أو “الناصري” او من لا ينتمي لأي حزب ، كما أن قواعد الإصلاح التي يسوقها كالقطيع – والتي قد تبرر له حتى الإرهاب- وتنساق معه في خطاب التكفير، والتي هي مرتبطة بجمعياته الخيرية، ليست خصوم الشعب؛ فهم ضحايا هذا الوضع، وضحايا هذه الجمعيات.
حتى الاحتكاري الحقير الذي تدمرت لديه كل قيم العدالة والإنسانية والذي يعيش كحيوان طفيلي على جوع الشعب، يجب أن نمتلك الشجاعة الكافية لنعترف أنه أيضاً ضحية، ضحية هذا النظام الرأسمالي الطفيلي الاحتكاري، ولكنه لا يحتاج علاج نفسي بل يحتاج أن نحرره من نمط الإنتاج هذا، نحرره من الوسائل التي تجعل منه حيواناً كما نحرر الجياع من سيطرته ونعيش في سلام..
لابد من قبول الآخر ومن خطاب التعايش والسلم، ومن شراكة وطنية، وعدالة اجتماعية، تُبعد الناس عن الانزلاق نحو الفاشية، فتتمظهر صراعاتنا الطبقية على شكل تنافس في الفكر والبرنامج والسياسة، وإن عجزت العملية السياسة عن حل هذه التناقضات ونضج الظرف الثوري فندخل الثورة بوعي من الخصم وماذا نريد، وبوعي في التعامل مع الآخر، ووعي في الانتصار باعتباره إعادة الحالة الإنسانية للمجتمع والحق لأصحابه، وليس باعتباره نصر خلف مهزومين.

زر الذهاب إلى الأعلى